الرئيسية مجتمع دراسة شاملة وموسعة لموضوع المواطنة الكونية بين الواقع والعدم

دراسة شاملة وموسعة لموضوع المواطنة الكونية بين الواقع والعدم

22 يناير 2020 - 17:01
مشاركة

٠

تماشيا مع أرضية النقاش الذي خلص إليه ماستر ( الإدارة، حقوق الإنسان و الديموقراطية) وبشراكة مع مركز الجنوب للدراسات و الأبحاث في رحاب كلية العلوم القانونية و  الإقتصادية و الإجتماعية بأكادير إحتضنت الكلية يومين نظريان وذلك يوم 3 و 4 يناير 2020، حيث ألقى الفيلسوف الرائد توماس بوغه؛ محاضرة بعنوان ” حقوق الإنسان و العدالة العالمية ” وقد حلق بتصوراته المنطقية الى جامعة ييل التي حضنت إهتماماته لأربعين سنة من الإشتغال على تطوير الحبكة التأسيسية للعدالة.
بعيدا عما نشهده اليوم من ميولات علمية نحو العدالة، نعود للعصر الأفلاطوني، و هنا بالضبط  ستنفتح زهرة الأوركيديا بعطرها الفلسفي، إذ أن الهم الشاغل للبشرية منذ خلق المجتمعات الإنسانية هو تمديد فسحة العدالة و التعاون الجماعي؛بغية الإستقرار و تحقيق الأمن السلمي، و ضمن هاته الرغبة إهتمت الأطر الفعالة داخل المجتمع من حقن النهوض الفكري اللامشروط منذ الأزل، مثالا على ذلك( جمهورية أفلاطون ) إنها التحفة التاريخية العلمية الشاهدة على صورة ذهنية تحاورية بين الأستاذ سقراط و تلميذه أفلاطون حول أهمية العدالة بالمدينة أثينا، ترويجا للفرق الشاسع حيال المدينة المثالية الفاضلة الأرستقراطية مقابل المدينة الفاسدة التي تنعدم بها روائح القيم الأخلاقية والمبادئ الأساسية.
فكيف للعدالة أن تسلك طريق الصواب داخل المجتمع المدني بطريقة تلقائية قبل تدشينها القانوني ؟
هل للعدالة علاقة جذرية بالمواطنة الكونية أم أن تراتبية المفاهيم الديموقراطية أجدر بترسيخ الدعامة ؟
ثمة إقبال شديد في الآونة الأخيرة على موضوع المواطنة العالمية، فرغم أن الدول أضحت تتفادى كلمة الحرب خشية صراعات تهلك البناء و تسفك الدماء ثم ترمي بالتقدم الهائل  فوق خشبة فارغة العوالم، إلا أن هاته الكلمة كنار كابية لم يخمد رمادها بعد ،و لن تنطفئ شرارتها ما دامت البشرية تصارع للكسب.
  البحث عن العالم الآخر ليس بالشكل الميتافزيقي بل التيقن من صحة وجود الآخرين بشكل ملموس هو الحل الوحيد لمعادلة الحرب الدائمة؛ و هنا فقط بإستطاعتنا بلوغ المواطنة الكونية، و إرتباطا بالعنوان السابق فقد قدم توماس بوغه نموذجا يظهر مدى الإنغلاق الكوكبي لكل فئة أردف قائلا: ( لدي أصدقاء بجامعة ييل لا يتواصلون إلا مع معارفهم و بعض المدنيين داخل الدولة الناشئة كما أنهم في جهل تام بالوضعية الخارجية في غالب من الأحيان، بينما أجدني في كل مرة تحت سقف بلد مغاير عن موطني، لكثرة الإرتباطات الإنسانية الخارجية، أراسل أشخاصا من الهند  و آخرون من الدول العربية و الأجنبية، سرعان ما أتحول إلى زائر المناطق العالمية لإكتساب الأصدقاء كذا المعرفة و الخبرة ).
– لكن كيف لشخص يعيش في وسط يشع بالأضواء محاط بالأثاث الغالية الثمن ،جالس على كرسي راقي داخل ڤيلا بثلاثة أبواب زجاجية يحرسونها أجساد ضخمة  أن يشعر بالمواطنة العالمية تجاه عالم مقهور بالفقر و العنصرية منطوية    باطن دولة أخرى لا يعلم  عنها سوى الفراغ و العدم.
نقطة فاصلة بين المنطقية و النظريات غير المحسوسة وهي  أن الإدارات السياسية في الواقع هي الدافع الأساسي لتحقيق العدالة العالمية و ما دامت السياسة تتهرب من تشكيل إدارة حقوقية قانونية خوفا من التمويل الدولي  غير المربح بإستشراف المدى القريب، لذلك أفرزت فكرة د.توماس بوغه تشائمه تجاه السياسيين الذين يفكرون بكيفية مرتبطة بالفترات الإنتخابية، أما الغصة التي تعترض المواطنة العالمية تدخل في إطارها الشركات الكبرى المتحكمة بالقرار السياسي التي  تشتد صلتها الوثيقة بكل الخطوات السياسية،  لكن مدراء الشركات الذين يستندون إلى حدود أنفهم، لن يضحوا بإستثمار 500 مليون دولار في قضايا الأمن و السلم، في ظرف خمسة أو ستة سنوات، فإما أن يستثمروها غير ذلك جرأةً نحو المنافسة أو الإحتفاظ بها خروجا بلا خسائر بقاءا على عرش الشركة .
الفرار من التنمية العالمية ليس  فزعا من التطور بل مخافة فقْدِ السيطرة الناتجة عن التفقير ،فالفقر كآلية مستخدمة تتيح للأماكن العليا الحفاظ على رتبتها ، إذن الرقم المرعب الإحصائي ل 20٪ من سكان العالم التي إستحوذت على 85٪ من  ثروة العالم ،لم يعد رقما عبثيا بل له خلفيات مسبقة و إستراتيجية مضبوطة. كي نجتر ناحية التفاؤل بجيل جديد يدافع على التنمية و المساواة، فليس ببعيد ذكر الطفلة السويدية التي خاضت حركة  مشروع البيئة و التحولات المناخية وصولا بمطالبها في كلمة للأمم المتحدة و غيرها من الشباب بأنحاء العالم.
فإن كانت  البيئة أرضا كوكبية عالمية نتشاركها و تتحمل بقوتها ثقل الإيديولوجيات و نقص التنظيم البيداغوجي لدينا ،علينا أيضا بدورنا العنصر المتضرر بعد إختلالها أن نُحدث غوغاءا ضمن الحيز الكوني كفاحا من أجلها و حفاظا على إستمراريتها الملموسة، فالعدالة لا تتسع إلا حينما تتفق  عنها العقول البشرية،لكون  إنعدامها بمثابة البقعة السوداء التي يتسللها الخلل بدل التوازن، و لا يمكن إنارة هذا الظلام بأنحاء العالم إلا في حالة تكريس المدنيين إهتماماتهم بهذا الشأن دون غيره ،خروجا من سيطرة الإعلام السلبية بإعتبارها صفقة تدميرية بيد شركات إقتصادية، فإن كان الإعلام شركة بحد ذاته، إنحنت كل الرؤوس لهذا الإتجاه و تحكمت بالرأي العام كما أرادت،إنها القاعدة المشتركة التي أدلى بها ناعوم تشومسكي في كتابه سيطرة الإعلام حول أهمية الوظيفة الإعلامية في توجيه الناشئة و إدارة المجتمع الذي سماه  بالقطيع الضال و الحائر إلى أي مصب ألحت عليه الأيادي الحاكمة مع ترويضه حسب الأغراض المنصوصة  من خلال وسائلها الإعلامية كما أن للبروباجندا قدرة على صنع وجهة نظر مؤيدة أو متناقضة. قد مهد تشومسكي لهاته الإشكالية عدة دلالات و كانت محل التأييد الذي لاحظته  في عبارات توماس بوغه.
أدلي الآن بالعودة تباعا للأدراج الأفلاطونية الآنفة بين  المدينة المثالية الأرستقراطية المترفعة بالأخلاق الإنسانية المبدئية و المدينة الفاسدة   المنحطة، لدينا نسخة  معصرنة لهاته الحالة في عصرنا  مركزة في صورة الطبقية المجتمعاتية .
يظل السؤال المطروح دون محوه ،هل يمكن تحقيق المواطنة الكونية على أرض الواقع أم أنها عدم نظري؟
نعم بالفعل، بمقدور كل منا كحق مدني الإندماج ضمن المواطنة الكونية من المحلية إلى الدولية، لكن تبقى المسؤولية العظمى بيد السياسة العالمية في تأسيس إدارة تسير النطاق الكوني و حل الفروقات الكوكبية.

أميمة / اكادير

تعليقات الزوار ( 0 )

اترك تعليقاً